الفنان:
أيوب البلوشي
تألق اسم النحات العُماني أيوب ملنج البلوشي خلال السنتين الأخيرتين خارج مهرجانات مسقط التشكيلية المحلية،
ابتداء من لقاء النحت فــي مهرجـان جـرش في الأردن، وانتهاء ببينالي الشارقة الأخـير في الإمارات، مروراً بالمعارض العُمانية التي استضافتها
باريس معهد العالم العربي، اليونسكو. وبشكل عام، فإن فن النحت أشد حداثة من فنّ
التصوير في محـترفات الخلـيج الـتي لا يتـجاوز عدد فنانيها أصابــع اليد الواحـدة. ويلاحظ الدارس أو المراقب المتمهّل أن مؤسسي فن
النحت هم أنفسهم الرواد والمخضرمون والمعاصرون والحداثيون: نشير في هذا السياق إلى
تجربة سامي محمد من الكويت، وعلي الطخيس من المملكة العربية السعودية، وأيوب ملنج البلوشي مؤسس النحت في سلطنة عُمان.
وإذا كانت مرجعية سامي محمد، على
ثرائها، لا تتعدى نماذج النحت الغربي قبل وبعـد رودان، في حين يبحث علي الطخيس عـن شرعية تنزيهية في
هيئة الحرف العربي الذي يمتطي صهوة الرخام والمرمر على أنـواعهما... فـإن البلوشي
انطلق، منذ البداية، في بناء تجربته النحتية على فطرة ثقافية معلنة، بعيداً عن أي
تنظير أو مثاقفة. هكذا بدت أعماله مشبعة بالصور التي تسكن اللاوعي الجمعي والذاكرة
الشعبية. إننا نعثر في منحوتاته الخشبية على أساطير البحر وأهازيجه، ومجاهـدة
صياديه في تحصيل لقمة عيشهم... نعثر على أجنحة الطير وأشرعة السفن التي تجوب
الذاكرة، وتزرع مرفأ طفولته في مسقط القديم.
بطاقة الشخصية:

يبدو
عالم أيوب ملنج
البلوشي، كأنه مسرح عرائس تحركها خيوط لامرئية
على رقعة شطرنج، فالشخص لديه أقرب إلى الاشارة السحرية أو الاسطورية. وإذا تأملنا
صياده الذي يحمل سمكة عملاقة، وجدنا أنه لا يملك من الواقع إلا دلالته. فهو قد
يتقمّص في أعمال أخرى هيئة حجر الشطرنج مثلاً. إن شخوصه الخشبية تعيش مسرح الحلم،
ولا علاقة لها بالواقع الحضري أو الاجتماعي.
يختص
فناننا
بنحت خشب "التيك"، ومع أن أشجاره تستورد من الهند ولا تزرع محلياً،
فالعلاقة الحضارية باستيراده ترجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، حين كانت عُمان
تدعى ماجان والهند ملوخا
والبحرين دلمون... وبين هـذه المحطّات كانت تمتدّ شــبكات المبادلات. كــانت عُمان
تصنع من خشــب التيك مــراكب الصـيادين والبحارة، وقد رسمها البلوشي العام 1995 في
لوحة بالغة التأثير تمثل مشهداً لـ "مـرفأ مسقط القديم" : تعوم السفن مع
مدينة القلاع في فراغ سديمي، نُحتت خطوطه بقوة الأسود المحدد، فإذا ما اقتربنا
بنظرنا من تفاصـيل اللوحة عثرنا على طيور اللقلق الفلامنكو التي تزرع الشاطئ
بهاماتها وأعناقها، ومناقيرها النحيلة، باحثةً عن قوتها. لعلّ هذه اللقية خير
تجسيد لموضوعه الأثير: "أزواج طائر اللقلق وأحواله الرمزية". يستقرئ
الفنان هذا الموضوع من طبيعة خشب "التيك"، بعروقه وجذوره وتكوراته
وتضاريسه، وبما خلفته فيه بصمات الرطوبة والحتّ والريح وأهازيج البحر